ما معنى قوله ﷺ إني لأسمع بكاء الصبي فأتجوز في الصلاة
انت في الصفحة 2 من صفحتين
ثانيًا: جواز حضور النساء إلى المساجد لِيُصلِّينَ مع الجماعة، وهذا ما لم تخرُجِ المرأة على وجه لا يجوز، مثل أن تخرج متعطرةً أو متبرجة، فإن ذلك لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أيما امرأة أصابت بخورًا، فلا تشهد معنا صلاة العشاء)).
ثالثًا: جواز إدخال الصِّبيان المسجدَ، هذا إذا كان صبيُّها معها، وإن كان خارج المسجد قريبًا منه، فليس فيه دلالة، لكنه يصعُب أن تسمع المرأةُ بكاء صبيِّها في البيت وهي في المسجد، فالظاهر أن صبيانَهنَّ كانوا معهن، فيكون فيه دليلٌ على جواز إدخال الصِّبيان المساجد، لكن بشرط ألا يحصل منهم أذية، لا على المسجد، ولا على المصلِّين، فإن كان يُخشى منهم أذية على المسجد؛ كتلويثه بالبول والڼجاسة، فإنهم يُمنَعون، وكذلك إذا كان يُخشى منهم التشويش على الناس بالصُّراخ والركض والجلَبة، فإنهم يُمنَعون أيضًا.
أما إذا لم يكن منهم بأس، فإنه لا بأس أن يؤتى بهم إلى المساجد.
وأما حديث: “جنِّبوا مساجدَكم صِبيانَكم ومجانينَكم”، فهو ضعيف.
رابعًا: أنه يجوز للمصلِّي أن يَسمع ما حوله، ولا يلزمه أن يسُدَّ أُذنَيْه، بل له أن يَسمع، لكن إن كان ما حوله يشوِّش عليه إذا سمعه فلا يصلينَّ حوله، وإنما يبعد، كما لو أراد الإنسان أن يصلِّيَ في المسجد وحوله حلقةُ ذِكرٍ أو حلقة قرآن، ويخشى أن يشوِّشوا عليه إذا دنا منهم، فليبعد، وأما إذا لم يشوشوا، فلا بأس أن يسمع، بخلاف الاستماع، فإن المصلِّي لا يستمع إلا إلى قراءة إمامه.
وعلى هذا إذا كنتَ تصلي وجاء القارئ يقرأ حديثًا أو موعظة، فلا تشد سمعك إليه، لا تستمع؛ لأن هذا غير مشروع، ولا تجعل تركيزك معه، أما إذا سمعتَه ولكنك ماضٍ في صلاتك، لم تهتم به، ولم تلتفت إليه، فلا بأس.
خامسًا: ومن فوائد هذا الحديث أنه يجوز للمصلي أن يغيِّر نيَّتَه من تطويل إلى تخفيف أو بالعكس، إذا وُجِد سببٌ لذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل في الصلاة يريد أن يُطِيلَها فيُخفِّف.
فإذا دخل الإنسان في صلاته وهو يريد أن يطيل، ثم جاءه شخص وقال له: عند الباب ضيوف، أو ما أشبه ذلك، فلا بأس أن يُخفِّف ليذهب إلى ضيوفه، كما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يفعل هذا.
سادسًا: ومن فوائد هذا الحديث:
أنه لا حرج على الإنسان إذا شقَّ عليه بكاءُ ابنه، أو ما يؤذي ابنَه من ألمٍ أو شبهه؛ لأن هذا من الأمور الفِطريَّةِ الطبيعية، فإنَّ كل إنسان يشُقُّ عليه أن يسمع بكاءَ ابنه؛ بل إن من الناس من يشُقُّ عليه أن يسمع بكاء الصبيِّ مطلقًا حتى ولو لم يكن ابنًا له رحمةً بالصِّبيان، ولا شك أن الرحمة بالصبيان ومراعاتَهم واتقاءَ ما يؤذيهم من أسباب الرحمة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم من قبل: ((من لا يَرحم الناس لا يَرحمه الله))، و((الراحمون يَرحمهم الرحمن))، و((إنما يَرحم اللهُ من عباده الرحماءَ))، وأشباه هذه الأحاديث، فكون الإنسان يشق عليه بكاءُ الصِّبيان رحمة لهم، لا شكَّ أن هذا من الخلُقِ المحمود؛ لأنه رحمة بهؤلاء الصغار الذين هم أهل للرحمة، والله الموفق.